قال الله تعالى
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(سورة الحج:73).
الهندسة الوراثية :هي التقنية التي تتعامل مع الجينات أو الوحدات الوراثية المتواجدة على الكروموزومات فصلاً ووصلاً وإدخالاً لأجزاء منها من كائن إلى آخر بغرض إحداث حالة تمكن العلماء من معرفة وظيفة (الجين) أو بهدف الحصول على طبعات كثيرة من نواتجه أو بهدف استكمال ما نقص منه في خلية مستهدفة.
ولشرح ذلك نقول: بعد أن عرف العلماء طبيعة ووظيفة الصبغيات أو الكروموزومات وهي أجسام صغيرة جداً لا ترى بالعين وتوجد داخل كل خلية، وهي مكونة من أشرطة مسجل عليها صفات الكائن المادية، وهذه الأشرطة تسمى الجينات.
وتقدم العلم فاكتشف أن هذه المورثات أو حاملات الصفات ما هي إلا سلم مزدوج من مادة تسمى D.N.A الحمض النووي المعروف الآن بحامل الشفرة الوراثية وبعدها درس العلماء خصائصه وتعرفوا عليها ، فماذا وجدوا ؟ لقد وجدوا ما يأتي
1- أن D.N.Aهو حامل الشفرة الوراثية .
2- أن الصفات التي يحملها تترجم منه إلى بروتينات تتجسد على هيئة الصفة المطلوب تنفيذها.
3- أن كل خيط يمكن أن يكون قالباً يتكون عليه خيط جديد يتزاوج معه مستخدماً وحداته البنائية من السيتوبلازم .
4- أنه يمكن قطع ووصل هذا اللولب المزدوج بوسائل تقنية متعددة وفي أماكن مختلفة . كما يمكن بسهولة فصل زوجي اللولب.
5- أنه يمكن قص ولصق قطعة منه من مكان لآخر.
6- أن تغييراً أو تدميراً يشوه هذا النظام يؤدي إلى: إما نتيجة قاتلة للكائن أو حالة مرضية مترتبة على تعطل صفة من صفاته والتي تختلف من حيث أهميته
7- إن تركيب D.N.A ومكوناته هي [ سكر ، وأدنين ، وفوسفات ] وهذه التركيبة مشتركة في جميع الكائنات من الفيروس إلى الفيل .
وهذه الملحوظات فتحت الطريق أمام العلماء لمزيد من التجارب من خلال إدخال وإخراج أجزاء من هذه الشفرة الوراثية ومن خلال قطع ووصل أجزائها بل ومحاولة إدخال أجزاء من D.N.A لكائن معين إلى أجزاء من D.N.A لكائن آخر .
ومن خلال ذلك انفتحت الأبواب أمام علوم ما يسمى بالهندسة الوراثية، فقد تمكن العلماء من إدخال جينات (مورثات) من حيوان إلى بكتريا، بل ومن إنسان إلى بكتريا أو حيوان، وكانت المفاجأة المذهلة أن البكتريا المطعمة بالجين الغريب أخذت في الانقسام لتنتج طبعات كثيرة من هذا الجين أُمكن من خلالها دراسته دراسة مستفيضة، بل وأُمكن من خلال إدخال جينات - قطع حاملة لبعض الصفات - معينة من الإنسان إلى الحيوان أن نحصل على نواتج ذلك (الجين) بكميات كبيرة من خلال ألبان هذا الحيوان.
وأُمكن من خلال هذه الهندسة الحصول على الأنسولين البشري وعامل التجلط البشري بل وعوامل إذابة الجلطة، وعامل النمو البشري بكميات كبيرة ما كان للإنسان أن يصل إليها أبداً من مصادرها.
وسنضرب لذلك الأمثلة التالية:
جاء في مجلة العلوم الأمريكية مجلد 13 عدد 4 أبريل 1997 (ترجمة الكويت) جاء ما يأتي:
في عام 1981 أوضح ( W.J كوردن )وزملاؤه في جامعة يال : أن الجنين المخصب لفأريستطيع أن يدمج مادة جينية غريبة (D.N.A) في صبغياته (مورثاته) وبعدها جاء علماء من جامعة (أوهايو) الذين برهنوا أن الجين (وهو قطعة من D.N.Aتحمل رموزاً لبروتين معين المأخوذ من الأرنب يمكن أن يؤدي وظيفته في الفأر بعد حقنه في جنين فأر وحيد الخلية ) وكان من المدهش أن لاحظ العلماء أن D.N.Aالغريب والمحقون من خلايا الأرنب إلى خلايا الفأر سرعان ما يتكامل مع صفات الفأر ، ويحتمل أن تكون الخلية ميزته على أنه قطعة مكسورة من D.N.Aالخاص بها والذي يحتاج إلى ترميم .
وفي 1987 ظهر اكتشاف هام آخر يتعلق بالحيوانات المحورة جينياً، فقد قام مجموعة من العلماء بابتكار وسائل لتنشيط الجينات الغريبة في الغدة الثديية للفأر كان من نتيجتها تكوين جزيئات بروتينية غريبة وإفرازها في حليب الفأر المحور جينياً.
وتمخضت هذه الأبحاث الفذة على إمكان إنتاج البروتين البشري (منشط البلازمينوجين ) من خلال إدخال الجين البشري حامل هذه الصفة في الخلايا المنتجة للبن في حيوان مختار، لتكون النتيجة أن يخرج هذا البروتين بكميات كبيرة في لبن الحيوان لاستخدامه كوسيلة للعلاج في حالة نقص هذا البروتين في المرضى من البشر.
وقد طبقت هذه التقنيات في إنتاج بروتينات علاجية هامة مثل البروتينات المانعة للنزيف والمانعة للتجلط، ومن قبل أُمكن تخليق الأنسولين البشري من خلال إدخال جين بشري حاملاً لصفته داخل بكتريا معينة.
وواكب هذه الاكتشافات المبهرة حملة إعلامية عارمة لعب فيها الخيال العلمي دوراً مؤثراً على عقول عامة المثقفين وضعت علامات استفهام أمام الفكر الديني المستنير، فقد تناقلت أجهزة الإعلام أخبار عن إمكان أن يتقدم الآباء أو الأمهات بطلبات إلى العلماء للحصول على أطفال لها موصفات معينة في الشكل واللون والذكاء والقدرة الجسمانية أو العقلية، بل وذهب الخيال العلمي إلى إمكان إدخال جين (صفة) التمثيل الضوئي من النبات الأخضر إلى الأجنة البشرية للحصول على الإنسان الأخضر الذي يمكن أن يستخدم أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجو للحصول على غذائه وطاقته، وبذلك لا يصبح هناك أي مشاكل اقتصادية لها علاقة بالغذاء.
وإذا كان ذلك كذلك فإن أسئلة هامة لا بد وأن تثار كالآتي:
1- هل يعتبر ذلك تدخلاً في شأن من شئون الله ؟ .
2- هل يعتبر ذلك تعديلاً لخلق الله إلى الأفضل ؟ .
3- هل يعتبر ذلك دليلاً على صدق النظرية المادية البحتة ؟ هل وهل وهل.
قبل أن نرد على هذه الأسئلة لا بد وأن نبين للعقل المفكر أن هذه الأسئلة زائفة أصلاً وباطلة عقلاً لأنها لا تعتمد على حقائق بل تعتمد على خيال وأوهام وضلالات كيف ؟
سأستعير الإجابة من كلام علماء الهندسة الوراثية والذين يعملون في هذا المجال كما يأتي:
يقول (إيرفين شار جاف) أحد مؤسسي علم البيولوجيا الجزيئية: إن اللعب في الجينات يعرضنا للخطر.
ويقول ( وليام بيتز ) عالم الهندسة الوراثية وصاحب مؤلف الهندسة الوراثية للجميع: " إن وظيفة معظم ما نحمله من D.N.Aلا يزال سراً والحقيقة أن معظمه يبدو بلا فائدة ، وأن 90% من بعض أطوال الجينات لا يحمل معلومات ، ويقول أيضاً : أن علماء البيولوجية لا يعلمون إلا القليل جداً من معضلة أسرار الجينات ، وأن العلماء إذا أدخلوا جيناً (صفة) في خلية مستهدفة فسيواجه هذا الجين المدخل أحد مصيرين :
• إما أن يلتحم ب (D.N.A) الموجود فعلاً في الخلية أو يظل منعزلاً عنه كمقطع مستقل ، والعلماء لا يستطيعون أن يحددوا ماذا سيحدث بل كل ما يعملوه هو أن يقوموا بإلقاء الشفرة الوراثية المأخوذة من كائن في الخلية المستهدفة ، ثم ينتظرون فقد تستطيع الخلية دمجها في المكان المناسب وقد لا تستطيع ولا علم للعلماء بالنتيجة مسبقة ولا دخل لهم في إتمامها الدقيق .
وقد تؤدي بعض تقنيات الهندسة الوراثية المصاحبة للجينات المدخلة إلى الخلية المستهدفة إلى إكساب الخلية صفات سرطانية كما يحدث أحياناً نتيجة استخدام الفيروسات أو مكوناتها لدمج جين معين في خلية حيوانية مستهدفة.
وفي كتاب مستقبلنا الوراثي للجمعية الطبية البريطانية يقول علماء الهندسة الوراثية
إن التحوير الوراثي يستخدم لعلاج الأمراض الوراثية الخطيرة، أما احتمال أن يستطيع الوالدان في يوم ما طلب أطفال بخصائص معينة فإن هذا ليس أمراً ممقوتاً فحسب وإنما هو أيضاً لا يحتمل قط التوصل إليه.
ونجد في هذا المرجع العالمي أيضاً: والفوائد المباشرة للعلاج الجيني الناجح للخلايا الجسدية قد تكون أمراً واضحاً، أما التأثيرات المستقبلية وعلى المدى الطويل فهي مما قد يصعب التكهن به، فمن الممكن مثلاً أن يحدث خطأ في إيلاج الجينات يؤدي إلى تحول الخلية إلى خلية سرطانية مع عدم ظهور السرطان إلا بعد سنين تالية لذلك.
وخلاصة كل ذلك أن حقل الهندسة الوراثية لا يتعدى تسخير البكتريا أو الحيوانات لإنتاج بروتينات تستخدم لعلاج بعض المرضى الذين يعانون من نقص وراثي في هذه المركبات، بمعنى أن هذه البكتريا أو الحيوانات المستخدمة لإنتاج المطلوب تعويضاً لما فقد من الإنسان ما هي إلا كائنات تسخر لعمل ذلك حتى أن أحد كبار علماء الهندسة الوراثية أطلق على هذه الكائنات المسخرة تعبير (حمير مسخرة للعمل).
وكذلك عمل العلماء لمحاولة إدخال بعض الجينات المفقودة أو المعطوبة يدخل من باب تسخير هذه الجينات لصالح العودة بها إلى حالتها المفطورة عليها وهو من باب العلاج والتداوي.
وصدق الحق الذي قال:
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)(سورة :20).
وطاعة للرسول في حث الناس على التداوي:
[ تداووا عباد الله … ].
ولكن هل يمكن للإنسان أن يلعب في الجينات ويغير فيها بالزيادة أو النقصان أو التبديل ؟
الإجابة: نعم يمكنه ذلك.
فيكون السؤال التالي:
وماذا ستكون النتيجة ؟
الإجابة: هناك وسائل إيضاح شاهدها العلماء في واقع الحياة حيث لاحظوا أن هناك كائنات تحدث لها طفرات أو تغيرات تؤدي إلى حذف أو قطع أو إضافة جينات (صفات ) تخرجها من فطرتها المفطورة عليها إلى حالة مخالفة، ولقد لاحظ العلماء أن أغلب هذه التغيرات إما قاتلة مدمرة للكائن أو ممرضة له بدرجة لا حل لها.
والإجماع على أن التغير في الخلق المفطور عليه الكائن مخرب أو مدمر أو ممرض حتى ولو بعد حين.
أما عملية التهجين في السلالات الحيوانية والنباتية مثلاً فلا تدخل ضمن قضية التغير والتبديل، لأن التهجين لا تغيير فيه بل تبقى الصفات في مكانها وعلى هيئتا ولكن يتم مزاوجة صفات من كائن بصفات من كائن من نوعه كما يتم تزاوج مورث يحمل صفة الطول (مثلاً ) مع مورث لا يحملها ليكون الناتج حاملاً لصفة الطول وقس على ذلك.
أما التدخل لتغيير خلق إلى هيئة أخرى كإنتاج إنسان أخضر أو طفل عبقري فهذا من المستحيل عقلاً ونقلاُ:
عقلاً: لأن العلماء لا يعلمون من أسرار الجينات إلا القليل، ولأن القضية ليس جين معين بل علاقات جينية متشابكة ومتداخلة في شبكة لا يحيط بها إلا الخالق الباري المصور، ولأن الملاحظة العملية أكدت خطورة التغيير على الكائن الحي.
ونقلاً:لأن الحق يقول (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ).
ولكن لو حدث أن تم ذلك التبديل فإن النتيجة لا خير فيها بل إن البشرية لن تجني من ورائها إلا الخراب والتدمير وهو من أمر الشيطان لأوليائه، الذي قال الحق عنه: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) النساء آية 119
وهاهم العلماء النابهين يعقدون المؤتمرات ويحزرون من اللعب بالجينات تغيراً وتبديلاً بدرجة تخرجها عن فطرتها خوفاً من أن تتكاثر وتنطلق في البيئة وتخرج منها أجيال مدمرة أو تخل بالتوازن البيولوجي الذي خلقه الله بمقدار وعلماً وحكمة ( وكل شيً عنده بمقدار ) بل وهاهم العلماء الراسخون في العلم يحزرون من إمكان أن تتحول الخلية المسالمة إلى أخرى سرطانية قاتلة نتيجة اللعب بجيناتها تبديلاً وتغييراً. [justify]